‏إظهار الرسائل ذات التسميات آثار أندلسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات آثار أندلسية. إظهار كافة الرسائل

اكتشاف معماري حديث في مسجد ألمرية

 


اكتشاف معماري حديث في مسجد ألمرية




الصورة لمحراب مسجد جامع ألمرية. انطمر المحراب لقرون طويلة ولم يُعد اكتشافه إلا في الثلاثينات ( من القرن العشرين) من طرف عالم الآثار الإسباني ليوبولدو توريس بلباس

 L. Torres Balbas

. حيث اختفى مع التحول المعماري الذي شهدته البناية على إثر تحويلها من مسجد إلى كنيسة بعد سقوط المدينة. وفي سنة 1987 وأثناء القيام بأعمال صيانة وتجديد للمسجد، المتحول حاليا لكنيسة، تحت إشراف المهندسين المعماريين فيرنانديث مارتينيث

 Fernandez Martinez

 و باستور رودريغيث

 Pastor Rodriguez 

تم العثور على سلسلة من اللوحات الجبسية المنقوشة على حائط القبلة فوق فجوة المحراب. وهي اكتشافات تمنح معلومات جديدة وتصورا واضحا لما كان عليه مسجد ألمرية في القرن العاشر.

مثير للانتباه فقر المحراب لعنصر الديكور وقلة الآثار التي حوفظ عليها بالمسجد بشكل عام من زمن الأندلس، إلا أنها آثار غنية ومتنوعة. تُشكل شواهد معمارية هامة وتؤرخ لحقب زمنية مختلفة :

– عصر الخلافة ( اللوحات التي سيتم دراستها في هذا الموضوع بالإضافة لتيجان بعض الأعمدة).

– عصر ملوك الطوائف (الآثار الجبسية ذات الزخرفة النباتية التي تم اكتشافها خلال الحفريات).

– العصر الموحدي (أقواس فجوة المحراب).

أُنجزت عدة أبحاث ودراسات تتطرق لعمارة مسجد ألمرية من طرف كل من

توريس بلباس L. Torres Balbas

و

إوِرت C.Ewert

باعتبار عمارة مسجد جامع ألمرية أحد المعالم الأندلسية الإسلامية الهامة بالرغم من الآثار الخجولة التي حُوفِظَ عليها من فترة الأندلس. ترتكز هذه الدراسات على تحليل مختلف مراحل البناء التي مر بها الجامع و تسليط الضوء على مختلف المراحل الزخرفية التي عرفها.

 

10422421_739785832746745_2293315600383250242_n

صورة تاريخية لمحراب مسجد جامع ألمرية

يُعتبر محراب مسجد ألمرية عنصرا معماريا أساسيا للمسجد. يضم آثارا موحدية. ومن أهم ما يميزه أيضا لوحاته الجبسية المكتشفة سنة 1987 و التي تعود لعصر الخلافة. وهي عبارة عن خمس لوحات ولكن فقط ثلاثة منها حافظت على طابعها الأندلسي بينما غطَّت دعامات مسيحية التشييد البقية.

تماثل لوحات المحراب ، المكتشفة سنة 1987 ، هندسيا وفنيا بعض الآثار الزخرفية لمسجد قرطبة. تندرج تقنية زخرفاتها ضمن فن النحت السائد في عهد الخلافة. تعود جميعها للقرن العاشر. وتنتمي لعالم الخلافة التقليدي أي عالم مدينة الزهراء وحقبة العملية التوسعية التي عرفها جامع قرطبة.

يؤكد العثور على هذه اللوحات الجبسية صحة الفرضية التي قدمها توريس 

L.Torres Balbas 

حول تاريخ تشييد مسجد جامع ألمرية. تم تشييد المسجد حسب المهندس المعماري وعالم الآثار الإسباني ليوبولدو توريس بلباس (بالإسبانية: Leopoldo Torres Balbás )

 الذي تخصص في دراسة الآثار الإسلامية الأندلسية، حوالي سنة 965م أي مباشرة بعد إنهاء أعمال المسجد الجامع لقرطبة.

أمر الخليفة عبد الرحمن الناصر بتشييد المسجد. ولكن تعود اللوحات المنحوتة المكتشفة زمنيا لفترة حكم ابنه الحَكَم الثاني. يستند العلماء في هذا التأريخ للشَبَه الحاصل بين اللوحات المكتشفة وبعض زخرفات المسجد الجامع لقرطبة التي تعود لفترة توسيعه على يد الحكم II. حيث كان أول ما أمر به الحكم الثاني “المستنصر بالله”( 915م – 976 م) تاسع أمراء الدولة الأموية في الأندلس وثاني خلفاء الأندلس بعد أبيه عبد الرحمن الناصر لدين الله، هو توسعة المسجد الجامع لقرطبة. أضاف إليه محرابًا ثالثًا و مقصورة خشبية. أنفق على عمارته 261,537 دينار. كما شيد قرب المسجد الجامع دار للصدقة و دار أخرى للوعاظ وعمال المسجد. و أمر ببناء منبر تكلّف 35,705 دينار.

 

008

مقارنة بين محراب مسجد ألمرية A ومحراب مسجد قرطبة B.

 

كما تضم اللوحات المكتشفة بعض الزخرفات الدقيقة والشبيهة إلى حد كبير بزخرفات بعض اللوحات الجبسية التي تم العثور عليها بمدينة الزهراء. وللإشارة، لقد شهد عهد الحَكَم أيضًا استكمال بناء مدينة الزهراء التي ابتدأ بنائها أبيه وتولى الحَكَم بنفسه الإشراف على تشييدها في عهد والده، إلى أن تمت في عهده عام 365 هـ.

 

009

مقارنة بين زخرفات نخيلية لمحراب ألمرية A وزخرفات بعض لوحات مدينة الزهراء B

 

لم يكن مسجد ألمرية مخصصا للعبادة فقط وإنما نُظمت به أيضا حلق العلم و التدريس. اهتم حكام ألمرية بالعمران في المدينة ، فزاد خيران في بناء مسجد ألمرية عام 410 هـ، وأضاف زهير توسعة أخرى للمسجد. كما ابتنى المعتصم عددًا من القصور في المدينة، وجلب لها الماء، وأوصله إلى الجامع.

اتسع المسجد قديما لحوالي 9.000 مصلي. كان المحراب رباعي الزوايا ثم في عصر الموحدين جعلوه ثماني الأضلاع. كما زين بمصابيح كبيرة متعددة الألوان جُلبت من مكة. و كمسجد قرطبة، ضم مسجد ألمرية صحنا به شجيرات ليمون. كما توسطته نافورة استُخدِمَت للوضوء.

سقطت ألمرية في يد الإسبان في 26 ديسمبر 1489. فتحول المسجد لكنيسة سميت كنيسة القديسة ماريا

 Santa Maria

 ثم لكاتدرائية تحمل اسم 

Catedral de la encarnacion

 . أما اليوم فيسمى المسجد كنيسة سان خوان إيبانخليستا 

San Juan Evangelista

 أو سان خوان دي لا ألمدينا San Juan de la Almedina.

 

سميرة فخرالدين

.............................................................. 

مصادر

Le décor califal du Mihrab de la grande mosque d’Alméria, Madrider Mitteilungen, 31, 1990, pp428-439.

La decoracion califal del mihrab de la mezquita mayor de Almeria- nouevos descubrimientos. Patrice Cressier.

(Instituto de estudios almerienses de la diputacion provincial de Almeria. Departamento de historia.)

 

اكتشافات أثرية هامة بالقاعدة المرابطية أغمات (ما بين 2005 و 2014).

 

اكتشافات أثرية هامة بالقاعدة المرابطية أغمات (ما بين 2005 و 2014).



 

“الجميل يبعث في النفس الشعور بالحب والجاذبية واللذة والسرور، والقبيح يبعث الشعور بالكراهية والنفور، ولكن نرى جمال الطبيعة الرائع، والجبال الشامخة، …، وشروق الشمس وغروبها فنطلق عليها اسم “الجميل”، وهي مع ذلك تُحدث في النفوس حزنًا عند التأمل فيها، وتبعث نوع من الكآبة [أو الوجد] يصح لنا أن نسميه ألمًا لذيذًا، وسبب هذا أننا نُراع أمام هذه الأشياء باللانهاية، ويعلونا شعور بأننا لم نعد في حضرة “جميل”، بل في حضرة “جليل”. ” إنها مقولة في فلسفة الجمال نقتبسها عن أحمد أمين و الذي ترجمها بدوره عن أ.س.رابوبرت. لعل هذا الإحساس بالجمال، هذا الألم اللذيذ هو نفس الكآبة الحُلوة التي تخدش بعمق و بنشوة أرواحنا كلما وقفنا على معالم تاريخية من الحقب الماضية. حيث الإحساس بالجمال حزن أجمل من أن يتم وصفه و ألم ألذ من أن يتم تعريفه و وجد أحلى من أن تفهم ماهيته. تقف على المَعلمة التاريخية تلمسها وتخبر الجميع أنك تستطيع أن تشتم لها رائحة جريحة، واحدة ، وحيدة ، محددة، مختلفة ومميزة. حيث الإحساس بالجمال يُولِّدُ نفسا مكسورة. وهو انكسار لا يُستشعرُ فقط في القيم الملموسة القائمة للمعالِم بل يُستشعر أكثر عند ربطها بالقيم المعرفية، التاريخية و المُتَخيَّلَة.

لا بد لعواطف زائر معالم أغمات الأثرية أن تهتز اهتزازا حزينا و لذيذا يوجب رضا وحرقة. فيلمس الزائر الجمال ليس فقط في المعلمة القائمة بل أيضا في تناسقها، انسجامها، طريقة تكوينها والأهم من ذلك في بعدها الزمني والتاريخي. تضم المنطقة المسماة حاليا ‘جمعة أغمات’ ، وهي قرية أمازيغية مغربية استقر بها المرابطون ولم يبرحوها إلا بعد اتخاذ قرار تشييد مدينة مراكش ، معالم تاريخية من بينها: بقايا سور ممتد لمئات الأمتار، بقايا قنوات ري ومساكن عتيقة ، حمام أثري مُكتشف سنة 2005، آثار لمسجد من القرن العاشر انطمر لقرون تحت أحد الحقول الزراعية وبقايا لقصر مرابطي هُجِر في القرن الثالث عشر ولم يعد اكتشافه إلا مؤخرا وبالضبط سنة 2008. اتخد المرابطون من أغمات عاصمة لهم منذ دخولهم المدينة سنة 1057 إلى فترة إنشاء مدينة مراكش. حيث لم تشكل أغمات بؤرة سياسية فقط وإنما اتُخدَت أيضا كقاعدة عسكرية كما لَعِبَت دورا دينيا هاما وذلك لأن الحركة المرابطية كانت حركة دينية سنية مالكية. شهدت أغمات ولادة عدة علماء كما تلقن بها آخرون أسس العلم. و من الشخصيات التي تلقنت العلم بأغمات نذكر : مولاي بوشعيب الرداد الذي ارتحل إلى عدة مناطق و بلدان لطلب العلم، منها أغمات وأوريكا وفاس وأزمور والأندلس.

تقع أغمات في المغرب. تبعد عن مراكش بحوالي 30 كيلومترا. تتمركز الآثار المُكتَشَفة في شمال المنطقة جنبا إلى جنب. لا يفصل بينها سوى ممر بسيط وغير معبد. كما تحتمي عن العامة وراء سياج خشبي لا يُفتَحُ إلا للزوار. سنُحاول إيقاف التاريخ في أغمات. فيها وعند نواحيها. لا سطور بعد اليوم نُواريها. نرسم ملامح أذابها الزمن لقرون تحت التراب ليُعمِّيها. نحيي ماض يصرخ من وجع النسيان فينا و فيها. متهالكة الأركان ؟ نعم. وهل يعيب المعالم تلاشيها؟ تضررها يؤذينا قبل أن يؤذيها. سنذكرها لأن شتاء الزمن سيعود علينا سريعا ونحن عرايا لا لحاف يحمينا ويحميها!

…………

 

حمام أغمات الأثري

aghmathamam

إنه أقدم حمام عمومي مُكتَشَف بالمغرب. ويُعتبر الآن واحدا من أهم المعالم الأثرية والكنوز التاريخية واكتشاف نادر حيث يرجح أنه أول حمام عمومي مغربي. تم تشييده في أواخر القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر. استعمِلَ كحمام طوال 500 سنة ليتحول بعدها إلى مصنع للسيراميك ثُم أهمل وتم التخلي عنه بعد ذلك. هُجِرَ الحمام في القرن الرابع عشر أي في نفس الفترة التي هُجِرت فيها مدينة أغمات الشيء الذي يدعم صحة الروايات التاريخية.

تم اكتشاف الحمام سنة 2005. لم يكن واضح المعالم قبل عمليات التنقيب. انطمر لقرون تحت طبقة ترابية سميكة ولم يظهر منه سوى ثلاثة ثقوب تعود للسقف.

19-131ff80ef9

كما شكل الحمام الأساس لبيت حجري لأحد المواطنين. و بعد أن اختفى ذلك المنزل منذ زمن بعيد، كانت المفاجأة حيث اكتشف علماء الآثار أنه كان مشيدا فوق حمام فريد من نوعه. يتميز الحمام بمساحته الشاسعة. مساحة كبيرة شكلت استثناءا بالنسبة لحمام من تلك الحقبة. الشيء الذي يتطلب تحديا في البناء و براعة على المستوى التقني ومهارة في استخدام وسائل التدفئة. يتكون من ثلاثة غرف باردة، دافئة وساخنة احتَجَبَت لقرون عن عيون الشمس. عَلِقَت في ظلام جبين الأمس. أمسَت اليوم بادية لتشبع منها أعينٌ وقلوبُ. ريح تصفر بجنباتها، وصداها على الأرجاء طروبُ. والضوء من فتحات السقف يتسلل وعلى الحيطان يذوبُ

تمركزت قاعة استراحة بالجانب الجنوبي للحمام. خُصِّصَت لاستقبال زوار الحمام وتغيير وحفظ الملابس. وهي عبارة عن ساحة مغطاة ومحاطة بأروقة على جهاتها الأربع. مرصوفة بالطوب على نمط متعرج. احتوت جهتيها الشرقية والغربية قديما على مقاعد مبنية خُصصت للمستحم الذي أرهقته حرارة الحمام الداخلية، لتشكل بذلك فضاءا للإستراحة والإسترخاء والتخلص من التعب. اعتاد الحمام استقبال ضيوف لا مواعيد لهم. تاه أثرهم في بحر الماضي ليُبحرا. أثرٌ بعيد لِزمَنٍ لو لامس السحاب لأمطرا. أثرٌ صَمَتَ دهرًا ليُذاع اليوم ويُشهَرَا. وأمام أعيننا يُنشرَا. لنَستَفهم عما كان وعما جرى. وعن أثر فيه الفضول تحيرَا. وإن كانت العيون مبصرة فهي لا ترى.

DSCI0243

DSCI0244

زُيِّنَ مركز قاعة الإستراحة بحوض مثمن بديع. يعتبر مثمن الزوايا أو الأضلاع عموما، شكلا هندسيا شائعا جدا في العمارة الإسلامية (مساجد، نوافير، حدائق…). يرمز للعبور من المربع إلى الدائرة. أي من الأرض باتجاهاتها السماوية الأربعة إلى السماء ذات الفضاء الفريد واللامتناهي. إن مثمن الأضلاع ليس مجرد شكل هندسي مركب من مربعين وإنما قالب هندسي ينضح برمزية غنية بالتأويلات الدينية والفلكية. المثمن جوابٌ للرَّمزِيَّة جوابُ، يفتحُ فوق لسان العمارة الإسلامية للتأويل بابُ.

DSCI0252

تضرَّرَت بعض حيطان الحمام بفعل الزمن مما دفع بالمسؤولين للقيام بعمليات صيانة للحفاظ على المَعلَمَة. فكان العُنصُر الأبيض الذي وُضع صيانة للطوب الأحمرَا. غَرضُهُ فرز الحجارة القديمة الأولية عمَّا تأخَّرَا. بياض مُضافٌ عن سُوق الحَقائِقِ شَمَّرَا. عنصر تمييزي فريد لا يشبه آخرا.

muralla hammam

وبجانب الحمام تم اكتشاف نظام مائي تحت أرضي من القرون الوسطى. وهو عبارة عن قنوات مائية زَوَّدت الحمام والمباني المحيطة بالماء الصالح للشرب. تُشكل هذه القنوات الموجهة من الشمال نحو الجنوب جزءا من شبكة مائية واسعة و معقدة استهدفت تزويد المدينة بمختلف مبانيها بالماء الصالح للشرب. ينقسم النظام المائي عند الجزء الموجه نحو الحمام إلى فرعين : فرع متجه نحو مثمن الزوايا الذي يتوسط قاعة الإستراحة بينما يتجه الفرع الآخر داخل الحمام. شكل الماء ثروة مهمة بالجهة. فبالإضافة لاستخدام القنوات في تزويد المرافق العامة كالحمام، المسجد و القصر بالماء ، والمرافق الخاصة كالمنازل و غيرها ، تم استغلاله أيضا في سقي الحقول.

 

…………

قصر أغمات المرابطي

palais d Aghmat

انطمر القصر بفعل عوامل الزمن لقرون طويلة واندثر بشكل كامل تحت حقل زراعي .تم العثور على بقاياه سنة 2008 بفضل تقنية التتبع المغناطيسي ونظام اختراق الرادار. كشفت الحفريات أن القصر كان معمرا في القرنين الحادي عشر و الثاني عشر. فترة ترتبط بالتأكيد بفترة الحكم المرابطي خاصة في الحقبة التي لعبت خلالها أغمات دور العاصمة المرابطية. تم التخلي عنه في القرن الرابع عشر. تعكس آثاره تصميما مطابقا لتصاميم القصور الأندلسية. يتكون من عدة قاعات وساحات حيث ممرات الوصول لها عنكبوتي وهرمي. تتوزع مباني القصر حول هذه الفناءات ليشكل الفناء في كل مرة القلب والمركز و لتكون البنايات بذلك عناصر محيطة.

palais travaux

تضُمُّ ساحة القصر الرئيسية بِركة تغديها نافورة رخامية. بركةٌ تغازل آثارها اليوم ردما من التراب. لا خيط سماء ينعكس على ماء البركة. بل أين الماء؟ لا وجود له بالأساس. تنادي البِركة الماء المفقود مَرَّة، تضحك لغيابه كبرياءًا مرَّة، وتبكي كثيرا. أُحيطت البِركة قديما بحدائق لا يأتي العشب إليها اليوم، لا الشجر ولا الزهر. وتأتيها ذكريات.

palais imaginario

 

وانطلاقا من دراسة بقايا القصر قدّم الفريق المشرف على صيانة معالم أغمات الأثرية رسوما وفرضيات هندسية مُتَخيَّلة عما كان عليه القصر في السابق. رسومٌ ترفع جميعها عن هيئة بِركة القصر الرئيسية القديمة الحُجُب. لتَنِم عن جمال ذَهَب. وتصميم أندلُسِي عَجَب. مَشَت فَوقَهُ الحِقَب. فِعلُ الزمن فيها غَلَب. وهي كالتالي:

palais imaginario 2

…………

مسجد أغمات

masjid aghmat

آثار مسجد أغمات بجوار القصر المرابطي. ذُكر المسجد في بعض النصوص التاريخية. ورد ذكره في كتاب “القبلة” :

«أخبرنا أبو محمد عبد الله بن تيسييت وكاتبه قاضي أغمات وريكة أن مسجد أغمات وريكة بناه أميرها وطاس بن كردوس من بني أمية سنة خمس وأربعين ومائتين».

قام ببنائه وطاس ابن كردوس(م859). شيد المسجد بالطوب والحصى. تنم آثاره عن تشييدات وإصلاحات تعود لحقب زمنية متباعدة. كما تدل على قيام المجتمع الأغماتي بعملية توسيع لمساحته ليضم أكبر عدد ممكن من المصلين.

verset coranique en platre aghmat

هذا وقد تم التعرف سنة 2012 على بقايا محراب غابت آثاره لقرون في الطين. لا زال الحديث عن حفريات مستقبلية بالمسجد قائمة . لاستخراج أي بقايا محتَمَلَة غابرة. بقايا لا تصل ولا نصل. بقايا قد يُكسِّرُ غيابها للمسجد خاطِرَه المكسور. و يُشعرك أن الوجود مشوّش مبتور.

كما تم استخراج السنة الماضية (2014) حوض حجري منقوش من قاعة الوضوء الخاصة بالمسجد. جدير بالذكر أن معالم المسجد مطابقة تماما للوصف الذي ذكره لسان الدين بن الخطيب في حديثه عن أغمات. وهو شاعر وكاتب وفقيه مالكي ومؤرخ وفيلسوف وطبيب وسياسي من الأندلس (لوشة، 25 رجب 713 هـ/1313م – فاس، 776 هـ/ 1374م) درس الأدب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بفاس.قضّى معظم حياته في غرناطة في خدمة بلاط بني نصر وعرف بذي الوزارتين: الأدب والسيف. نـُقِشت أشعاره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة. سبق أن زار أغمات اقتفاءا لأثر ملك إشبيلية المعتمد ابن عباد الذي نُفِيَ بالمنطقة ودُفِنَ بها.

 

…………

مشروع متحف أغمات

musée Aghmat 1

أُعلِن في يونيو2005 عن إنطلاق مشروع علمي بأغمات يهدف إصلاح و تقييم وتنمية المنطقة باعتبارها إحدى البؤر الهامة في تاريخ المغرب في القرون الوسطى. أبحاث أثرية، صيانة الآثار والبقايا وحمايتها، إعادة اعتبار التراث والتعريف به على المستوى السياحي كلها اهتمامات يتطلع المشروع العلمي تحقيقها مستقبلا.

المشروع تحت رعاية وزارة الثقافة المغربية و مؤسسة أغمات الأثرية. ومن أهم المشرفين على تسييره حاليا نذكر السيد عبد الله فيلي من كلية الآداب بمدينة الجديدة المغربية ، أستاذ باحث متخصص في علم الآثار، القرون الوسطى. والسيد Ronald Messier من جامعة فاندربيلت (Vanderbilt University)، وهي جامعة بحثية خاصة مقرها ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية. ويحظى المشروع بمساهمة مجموعة من كبار الباحثين متعددي الجنسيات و الإختصاصات.

DSCI0246

هناك تخطيط لإنشاء متحف بأغمات يضم مجموع المواد التي تم اكتشافها خلال الحفريات الأثرية. والتي تتشكل من مواد مختلفة ومتعددة كالسيراميك، المعادن ، العظام ، الزجاج ، الجبس المنحوت،و الجص. كما سيضم مجموعة الأدوات،الصور، ومقاطع الفيديو التي رافقت عمليات التنقيب. سيحتوي أيضا على مساحة مستقلة خاصة بتقنيي الصيانة حيث سيتم تخزيين وحماية المواد المستخرجة من الحفريات. هذا بالإضافة إلى ملحق يحمل اسم “منزل الباحثين” سيخصص لإيواء واستقبال علماء الآثار لتوفير إطار مثالي لمواصلة دراسة أي مواد قد تنم عنها أي حفريات مستقبلية.

des pieces pr musée

كما سيتولى المتحف مهمة التعريف بماضي أغمات التاريخي. على عهد يوسف بن تاشفين اتخذت أغمات مقرا لإقامة ونفي ملوك الطوائف بعد توحيد بلاد الأندلس، خاصة المعتمد بن عباد، ملك اشبيلية، وعبد الله بن زيري، ملك غرناطة. في سنة 1970 تم بتشييد ضريح المعتمد ابن عباد الذي يحتضن بالإضافة إلى قبره، قبر زوجته اعتماد الرميكية وابنه، والذي يتزين بقبة مرابطية الطراز و بأبيات شعرية للملك الشاعر المعتمد ابن عباد.

DSCI0240

ومن أهم الشخصيات التي اشتهرت بها المنطقة واحدة من أغنى نساء أغمات السيدة زينب النفزاوية.لعبت أغمات دورا مهما في تاريخ المغرب في القرون الوسطى ومع تزايد الساكنة قام المرابطون بتشييد عاصمة جديدة وكانت مراكش سنة 1069مما أدى إلى تراجع عدد ساكنة أغمات.

…………

تتمتع المعالم الأثرية بجمال مختلف. الإفتتان بهذا النوع من الجمال يدفع المرء للتعبير عن إحساسه بالكلام، الكتابة، الرسم أو غيرها من الوسائل التي تتيح له التعبير عما علق في وجدانه. ولعل ما علق وتأصَّل في أرواحنا من إحساس بجمال تاريخي فريد في معالم أغمات الأثرية عقب زيارتنا للمنطقة قبل بضعة أشهر ( 2014 ) هو ما دفعنا لكتابة هذا الموضوع المتواضع. تنفرد المعالم الأثرية التاريخية عامة بسحر مميز لا يوصفُ ولا يُقال تستشعره الحواس ويزكيه خطاب العقل و الخيال .

جمال لا يُقال لا تكتمل لذته إلا بجمع الشكل الملموس بالمعنى المُدرك والمتخيل .

جمال لا يقال، الإحساس به لذة تبعث في الروح نشوة حزينة .

جمال لا يقال تَقِفُ على معالمه. تتجاوزُ فيه مرحلة الإكتشاف الحسي السطحية من إدراك للألوان و الأشكال، لِتتلذّذَ بمرحلة من الإدراك الفكري والعقلي لدقائق أو لساعات. ثم تجذِبُ نفسَكَ مِن نَفسِكَ لِتَرحل. تتقمص دور الريح العابرة وترحل. لا تترك للحيطان أية وصية وترحل . كأي مار لا تُودِّعُ وترحل. تتقمص دور بارد المشاعر وبكل بساطة ترحل. فقط تموت ثم ترحل!


سميرة فخرالدين

…………

مراجع:

1-

Le programme archéologique d’Aghmat

Abdellah Fili

2-

حركة الإصلاح المالكي بالمغرب ودور وﮔﺎﮒ بن زلو اللمطي خلالها

د. المهدي ابن محمد السعيدي

3-

Hammam d’Aghmat,Les découvertes se poursuivent…

Abdellah Fili

4-

Site archeo d Aghmat.Abdellah fili .Extr▶ The Kingdom of Morocco BBC Documentary

صنهاجة.. حي أندلسي في سرقسطة

 

صنهاجة.. حي أندلسي في سرقسطة


صورة جوية للآثار الأندلسية المُكتَشَفَة (المصدر: أرشيف مجلس مدينة سرقسطة)


في عام 2001، باشرت مدينة سرقسطة الإسبانية عمليات حفر في شارع “لاإنديبندنثيا”، الذي يُشكِّلُ اليوم قلب المدينة النابض وشريانها التجاري الحيوي، لبناء موقف سيارات تحت أرضي. كشفت أعمال الحفر عن آثار حي أمازيغي أندلسي يعود للقرن الحادي عشر. الأمر الذي دفع السلطات الإسبانية المسؤولة عن إنشاء المشروع إلى إلغائه. أُطلِقَ على الحاضرة المُكتشفة في فترة الحكم الإسلامي للأندلس اسم “صنهاجة” تيمنا بصنهاجة (أو قبائل صنهاجة) وهي واحدة من أكبر القبائل الأمازيغية التي لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب الأوسط والأقصى والصحراء الكبرى، بتأسيس دولة بني زيري، ومملكة أودغست الإسلامية ودولة المرابطين، وهي بالتالي من أعرق القبائل في المغرب وشمال إفريقيا.

جاء في “تاريخ ابن خلدون” ج6 ص 152: (وأما ذكر نسبهم فإنّهم من ولد صنهاج وهو صناك بالصاد المشمة بالزاي والكاف القريبة من الجيم. إلا أن العرب عرّبته وزادت فيه الهاء بين النون والألف فصار صنهاج (…) وأما بطون صنهاجة فكثيرة فمنهم بلكانة وأنجفة وشرطة ولمتونة ومسوفه وكدالة ومندلسة وبنو وارت وبنو يتين، ومن بطون أنجفة بنو مزوات وبنو تثليب وفشتالة وملواقة. هكذا يكاد نقل بعض نسّابة البربر في كتبهم وذكر آخرون من مؤرّخي البربر أن بطونهم تنتهي إلى سبعين بطنا (…) وكان المُلك في صنهاجة في طبقتين الطبقة الأولى لملكانة ملوك إفريقية والأندلس، والثانية مسوفة ولمتونة من الملثّمين ملوك المغرب المسمون بالمرابطين). ومما قيل في صنهاجة: لما حووا إحراز كل فضيلة غلب الحياء عليهم فتلثموا.

كان من بين أهم الأعمال التي قام بها الرومان، وتركت أثرها في مستقبل سرقسطة الأندلس، تسوير المدينة وتحصينها بأربع بوابات مراقبة دفاعية أمنية. خلال الفترة الإسلامية والعصور الوسطى، تم بناء ثماني بوابات أخرى. لم يبق منها اليوم سوى بوابة واحدة ما زالت قائمة في قلب مدينة سرقسطة ألا وهي بوابة “الكارمن” أو كما يُسميها الإسبان “لابويرتا ديل كارمن”. تمركز حي صنهاجة في القرن الحادي عشر على مشارف أحد الأبواب المندثرة والذي حمَلَ آنذاك نفس اسم الحي المُكتَشَف (باب صنهاجة). بعد استيلاء ملك أراغون ألفونسو الأول (1073 – 1134م) على سرقسطة سنة 1118م، تم تغيير اسم ضاحية “صنهاجة” الأندلسية إلى “لاموريريا”.


سرقسطة خلال الحكم الإسلامي للأندلس

تشتق مدينة سرقسطة الإسبانية تسميتها الحالية من اسم القيصر الروماني “أغسطس قيصر” (63 ق.م – 14 م). بعد وصول المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية تم تعريب هذه التسمية الرومانية لتتحول من “قَيصرأغُوسطا” إلى “سرقسطة”. عُرِفَت في تلك الفترة أيضا باسم “المدينة البيضاء”، في إحالة على حيطانها البيضاء المُجصصة بالجبس والجير وعلى المرمر المُستخدم بشكل طاغ في تشييد مبانيها وقصورها. وهو نوع من المعادن البيضاء الخام التي كان استعمالها حكرا على الطبقة الثرية خاصة قبل بُرُوز الرخام. جاء وَصْف سرقسطة بـ “المدينة البيضاء” على لسان عدة مؤرخين، كالمؤرخ والجغرافي والعالِم السبتي الشريف الإدريسي (1100م/1166م) في كتابه الشهير (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) – ج 2 – الصفحة 554- المسمى أيضًا (كتاب روجر) أو (الكتاب الروجري)، وذلك لأن الملك روجر ملك صقلية هو الذي طلب منه تأليفه: “سرقسطة قاعدة من قواعد مدن الأندلس كبيرة القطر آهلة ممتدة الأطناب واسعة الشوارع والرحاب حسنة الديار والمساكن متصلة الجنات والبساتين ولها سور مبني من الحجارة حصين وهي على ضفة النهر الكبير المسمى ابره، وهو نهر كبير يأتي بعضه من بلاد الروم وبعضه من جهة جبال قلعة أيوب وبعضه من نواحي قلهرة فتجتمع مواد هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة إلى أن تنتهي إلى حصن جبرة إلى موقع نهر الزيتون، ثم إلى طرطوشة فيجتاز بغربيها إلى البحر ومدينة سرقسطة هي المدينة البيضاء وسميت بذلك لكثرة جصها وجيارها (…) ولمدينة سرقسطة جسر عظيم يجاز عليه إلى المدينة ولها أسوار منيعة ومبان رفيعة”.

اعتُبِرَت سرقسطة واحدة من أهم المدن الأندلسية وأكثرها اكتظاظًا بالسكان في ظل الحكم الإسلامي للأندلس. بلغَت مجدها الأرفع في زمن ملوك الطوائف. لعبت دورا عَظِيما على الصعيد العمراني والعلمي والأدبي. أنجبت أسماء لامعة أغنت رحاب الفكر وموارد العلوم، نذكر من بينها: الفيلسوف ابن باجة -أَبُو بَكْرٍ مُحمّد بن يحيىٰ بن الصَائِغْ بن بَاجَة التجيبي- الذي اهتم بالطب والرياضيات والفلك والأدب والموسيقى وكان أحد وزراء وقضاة الدولة المرابطية؛ ابن الفوال السرقسطي العالم اليهودي الذي لمعَ في الطب والمنطق والفلسفة؛ الفيلسوف فصحون السرقسطي مؤلف كتاب (شجرة الحكمة)؛ الشاعر والكاتب والفقيه اللغوي أبي الطاهر السرقسطي -إسماعيل بن خلف بن سعيد بن عمران الأنصاري المقرئ النحوي الأندلسي السرقسطي- وهو عالم في الآداب، ومتقن لفن القراءات… كما عاش في سرقسطة الشاعر ابن الحداد الأندلسي، أصله من وادي آش إلا أنه فرَّ لسرقسطة سنة 461 هـ، فأكرمه المقتدر بن هود وابنه المؤتمن بن هود من بعده.

تشتهر المدينة اليوم بتنوّع روافدها الثقافية، إذ تشمل أربع ثقافات مختلفة، وهي: المسيحيّة، والإسلاميّة، والرومانيّة، والأيبيريّة. يُعتبر الأسد الشعار الرمزي الرسمي لمدينة سرقسطة لحمولته الدلالية الغنية بالإيحاءات التأريخية المُرتبطة بالقوة والسلطة والنفوذ. يُمكن للسائح المتجول في أزقة المدينة مُصَادَفَة شعار الأسد في مئات الأماكن والأرجاء ومختلف الأعمال الفنية والتظاهرات الثقافية والمنتجات التذكارية والتراثية: في درع المدينة، ودرع فريق كرة القدم وكرة السلة، ومنحوتات الجسر الحجري، وأعمدة الإنارة، وحتى بطاقات حافلات النقل.


نصب تذكاري لتخليد الأثر الأندلسي المكتشف

تطلعا لحماية البقايا الأثرية، تقرر تغطية حي صنهاجة المُكتَشَف مرة أخرى بطبقة من التكسية الأرضية وإلغاء مشروع موقف السيارات. على جانبي شارع “لاإندبندنثيا” حيث ظهرت آثار حي صنهاجة، تم نصب لوحات تذكارية إرشادية توضح تفاصيل البقايا المعمارية المُكتَشَفة مرفقة بنماذج تصويرية مُصغرة للآثار المحفوظة اليوم في باطن الأرض.

في عام 2011، عندما بدأت أعمال تشييد خط للترام فوق المنطقة. تم التأكد من أن المشروع قد تم على بعد مسافة من سطح الأرض بشكل يضمن عدم الوصول إلى الآثار الإسلامية التي يزيد عمقها عن مترين.


مسجد "طورطوليس" بإسبانيا .. صرح ديني نفيس يفوح بعبق الأندلس‎‎

 

مسجد "طورطوليس" بإسبانيا .. صرح ديني نفيس يفوح بعبق الأندلس‎‎

مسجد "طورطوليس" بإسبانيا .. صرح ديني نفيس يفوح بعبق الأندلس‎‎


شهدت بلدية طرسونة، الواقعة في مقاطعة سرقسطة التابعة لمنطقة أراغون شمال شرق إسبانيا، إعادة اكتشاف مسجد يعود إلى منتصف القرن الخامس عشر.

تتجلى أهمية المسجد المكتشف في قيمته التاريخية النادرة والنفيسة كصرح ديني إسلامي لم يتم تشييده تحت الحكم الإسلامي للأندلس وإنما تحت الهيمنة السياسية والدينية للممالك النصرانية. شيد على يد مسلمين استمروا بالعيش بالمنطقة وممارسة شعائرهم الدينية، بعد نهاية الحكم الإسلامي بسرقسطة وطرسونة والنواحي. يشكل المسجد بذلك واحدا من أحدث الشواهد المعمارية للثقافة الإسلامية المتأخرة في شبه الجزيرة الإيبيرية.

بني المسجد، حسب النقش التأسيسي، بين عامي 1447 و1455م على يد وصي على الجماعة الإسلامية بالمنطقة واسمه “محمد المرابط”. تم بناء المسجد، الذي يحمل اليوم اسم مسجد “طورطوليس”، كمساحة للعبادة الإسلامية في حي تاريخي عتيق حمل الاسم نفسه (طورطوليس). كان الحي عبارة عن ضاحية نائية خالية نواحي طرسونة إلى أن عمرها المسلمون بأمر من الملك ألفونسو الأول بعد استيلائه على المدينة في عام 1119م. شيد المسلمون الحي ثم المسجد لممارسة شعائرهم والتشبث بدينهم والحفاظ على تقاليدهم والانتصار لهويتهم الثقافية الأندلسية.

بعد صدور قرار التحول القسري في عام 1526 وإجبار المسلمين على التخلي عن ديانتهم، تم تحويل المسجد إلى فضاء عبادة مسيحي حمل اسم “كنيسة البشارة”. أضيفت في هذه الفترة رسومات نصرانية إلى المعلمة لإضفاء روح تغيير جديدة تلائم الدين الرسمي الأوحد المرخص به. مثير للانتباه أن الرسمة، التي تم اعتمادها للمسجد المتحول إلى كنيسة والتي تصور مشهد بشارة جبريل عليه السلام للسيدة مريم العذراء، قريبة نسبيا من معتقدات الديانة الإسلاميةـ إذ لكليهما قيمة جليلة في الديانتين، الإسلام والمسيحية. (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) “قرآن كريم، سورة مريم الآية 17”.

في القرن السابع عشر، ونظرا لضيق مساحة “مسجد” طورطوليس -المتحول آنذاك إلى فضاء عبادة مسيحي- تم تشييد كنيسة جديدة بالحي (الأبرشية الحالية). فهجر مسجد طورطويس واستخدم كمخزن لقرون طويلة ولم يعد اكتشافه إلا عام 1980. صدر أول قرار ترميمي للمكان سنة 1987. تمت عمليات التجديد والإصلاح تحت إشراف خبراء ترميم وعلماء آثار ومهندسين معماريين.

ولم يتم الانتهاء من هذا العمل الدقيق إلا سنة 2015. توجت السلطات الإسبانية هذا المجهود الترميمي بإعادة فتح المسجد للزيارة باعتباره إرثا إسلاميا سياحيا نادرا من أراغون ومعلمة أثرية شاهدة على بقايا ثقافة أندلسية أصيلة لا تندثر ولا تموت.


طرسونة في العصر الأندلسي

دخل المسلمون طرسونة سنة 714م. منذ السنوات الأولى لوصول الإسلام لشبه الجزيرة الإيبيرية، اعتبرت المدينة بؤرة إستراتيجية مهمة وركيزة دفاعية حاسمة بمنطقة الثغر الأعلى نظرا لطابعها الحضري، حيث كانت آنذاك إحدى المدن القليلة المحصنة في إقليم أراغون.

عمل المسلمون على مد وترميم أسوارها الرومانية وتجهيز المدينة عمرانيا في الداخل. على طول هذا المحور الرئيسي، ظهرت أهم مباني طرسونة الإسلامية: الجامع الكبير (المركز الديني) والسوق (المركز التجاري) والسدة (المركز السياسي العسكري).

خارج هذا السياج المحصن، نشأت ضاحيتان لإثراء القاعدة الحضرية، واحدة في الطرف الشرقي وأخرى في الطرف الغربي. توالت على حكم طرسونة العديد من الأسر؛ منها بنو قسي المولدين وبنو سلمة التجيبيين وبنو هود.

نشأت طرسونة في موقع إستراتيجي طبيعي حصين، بين نهر إبرة (الإيبرو) وسلسلة الجبال الإيبيرية. تمتعت بخاصيتين أساسيتين جعلا منها حاضرة إسلامية مثبتة القواعد راجحة الأركان: الحصن الدفاعي الآمن وثروة الموارد الطبيعية.

جاء في “الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية” ج 2، ص 123: “وقد كانت طرسونة من المدن العربية المعروفة، قال ياقوت في المعجم: بينها وبين تطيلة أربعة فراسخ، معدودة في أعمال تطيلة؛ كان يسكنها العمال ومقاتلة المسلمين (…) وينسب إلى طرسونة بعض أهل العلم، منهم أبو إسحاق بن يعلى الطرسوني”. برز في المدينة أعلام من مختلف ميادين العلم والمعرفة.

ويرجع ذلك إل أنها حاضرة ثغرية مقاتلة للغزاة طيلة فترة الحكم الإسلامي للأندلس. فقصدها العلماء والأدباء للمرابطة والجهاد. نذكر من بينهم: الشاعر أبا إسحاق إبراهيم بن معلى الطرسوني؛ والفقيه واللغوي والأديب والمحدث الشهيد أبا القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد الطرسوني المرسي؛ وعالم الحكمة والمنطق الطبيب أبا يعقوب يوسف بن محمد بن أحمد القرشي الطرسوني المعروف بابن أندراس؛ والشاعر محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي الطرسوني الذي كان متقنا لعلوم اللغة، مجيدا لفن القراءات، محكما لأصول الخط، سما في مراتب العلم وأبدع دون أن يتتلمذ على يد شيخ أو ملقن، امتاز بنبل روح وحس فكاهة وكرم نفس عظيم حتى أنه كان يشارك أصحابه بأفضل ما يستطيع، من أشعاره:

إذا قذفت بي حيثما شاءت النوى ففي كل شعب لي إليك طريق


مسجد بحمولة توثيقية نادرة

اتسم مسجد طورطوليس ببساطة التشييد وزهد المساحة إلا أنه شمل كل العناصر المميزة للجماليات المعمارية الإسلامية. ضم جميع الأقسام المكونة للمسجد الأندلسي التقليدي: فضاء الصلاة وجدار القبلة والمنبر والمحراب.

يوجد هذا الأخير في الجانب الشرقي للمسجد كنتوء جداري عميق جرى ولوجه من خلال قوس على هيئة حدوة حصان لعب دور الحجاب الحاجز، محاكاة لنماذج الخلافة القديمة. تتجلى القيمة العظمى للمسجد في ألواحه التسقيفية الخشبية نظرا لأهميتها التوثيقية التأريخية النادرة. يضم السقف واحدة من أكثر المجموعات الأيقونية التصويرية والكتابية المدجنة استثنائية وإثارة للاهتمام في إقليم أراغون.

عناصر جمالية تمنحنا فكرة عن ملامح فن الزخرفة الإسلامي المعتمد في تلك الحقبة وتترجم بعض التصورات الدينية الباقية لدى مجتمع طرسونة بعد نهاية الحكم الإسلامي بالمنطقة. تعكس زينة السقف المصنوع من خشب الصنوبر زخارف نباتية وآيات قرآنية وأبيات شعر ومفردات عربية بخط كوفي نذكر من بينها: “تسليم، مسلم، محمد”…

ظهرت بين النقوش والزخارف النباتية عناصر تصويرية للطيور؛ الأمر الذي يعتبر شاذا وغريبا عن الثقافة الإسلامية التي تنبذ تصوير الروح في سياق المسجد. لطالما ارتبطت هذه النوعية الزخرفية بالقصور فقط نظرا لتحريم فقهاء الإسلام للتصوير التشخيصي أو التشبيهي لخلق الله. قد يعزى ذلك إلى بعد الديار عن مراكز الحكم الإسلامي وفقدان القدرات المعرفية بمرور الوقت. ترتبط الثقافة التصويرية في العالم الإسلامي بجدليات لانهائية تتباين وتتنوع وتختلف ما بين جواز وتحريم وإكراه. هذا في نطاق القصور فقط، أما في أماكن العبادة فالأمر يكان أن يكون منبوذا بشكل تام.


صرح من زمن الفن المدجن

يعتبر المسجد معلمة تاريخية ثمينة للفن المدجن بشبه الجزيرة الإيبيرية. أطلق الشاعر الإشبيلي غوستافو أدولفو بيكير (1836- 1870) على طرسونة لقب طليطلة الصغيرة.

مدينة هادئة بسيطة عتيقة بطابع أبعد عن الحداثة أقرب للأصالة ومنوال نسيب للفن مجاور للتراث: آثار حجرية عريقة، بيوتات شعبية منتصرة لطرازها التقليدي، أزقة بأقواس مستديرة، جدران ودعامات من طوب أرض أراغون، أسطح قرميدية خفيضة ومعالم تاريخية من الطراز المدجن.

نشأ هذا الأخير كأسلوب فني في الممالك النصرانية، إلا أنه تضمن تأثيرات وعناصر ومواد جمالية من الطراز المعماري الإسلامي. ظهر الفن المدجن بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر. كان بمثابة حلقة وصل بين الفن المسيحي والإبداع الإسلامي.

شمل مزيجا من التيارات الفنية الإسلامية والمسيحية (الرومانية والقوطية وعصر النهضة). إن كل تأمل لآثاره الباقية اليوم بإسبانيا يبين أننا لسنا أمام أسلوب فني موحد، وإنما أمام فن تنوع بتنوع المناطق الجغرافية؛ ليعكس أصلا واحدا لفروع فنية عديدة ثرية متباينة في كل من طليطلة وليون وأندلوسيا وأراغون.


سميرة فخرالدين

يخبرنا عن حياة «الملك الشاعر».. اكتشاف قصر المعتمد بن عباد بإشبيلية


يخبرنا عن حياة «الملك الشاعر».. اكتشاف قصر المعتمد بن عباد بإشبيلية



 

أعلنت وزارة الثقافة الإسبانية نهاية يونيو (حزيران) الماضي عن اكتشاف قصر المعتمد بن عباد الذي ظلَّ آفلًا مُتواريًا عن الأنظار، ومطمورًا لأكثر من ألف عام، وقد أكد اختبار الكربون 14، المستخدم عادةً لتعيين عمر العينات القديمة والآثار الأركيولوجية، أن البقايا المكتشفة حديثًا تعود للقرن الحادي عشر، وترجع للمنطقة التي لطالما اعتُبِرَت مفقودة في قصر إشبيلية، ألا وهي قصر المعتمد بن عباد.

يشكل قصر المعتمد المُكتَشَف البناية الأصلية والنواة التي شُيِدَ على إثرها قصر إشبيلية الأثري الراهن. الآن نستطيع أن نعرف كيف عاش الملك الشاعر. فكل شيء تم اكتشافه داخل أسوار القصر الحالي بساحة لاس بانديراس، وهي ساحة عامة واقعة بحي سانتا كروث بإشبيلية.

وقد أكدت دراسات مسبقة أُجرِيَت سنة 2014 أن هذه المنطقة قد تضم القصر الأصلي؛ الأمر الذي دفع عالم آثار المبنى مغيل آنخيل طباليس لطلب إذن للقيام بأعمال تنقيب بعين المكان. وفجأة ظهرت بضعة أقواس، ثم تم التوسع في البحث والتنقيب، فتجلَّت أهم ملامح الاكتشاف ليتم التأكد لاحقًا بأن الآثار المكتشفة تعود للقرن الحادي عشر، للمكان الذي اعتاد فيه المعتمد بن عباد ابن الملك المعتضد كتابة قصائد لحبيبته اعتماد، كما تقول الأسطورة.

كل شيء كان سليمًا، ألف سنة من التاريخ غابرة محجوبة مبتورة السند، أقواس وأعمدة وجدران لآل أندلس حَلُّوا لزمن وجيز وارتحلوا، وعنهم غُلِقَت الأبواب والسبل، وسُدَ التاريخ والأجل، وما بقي سوى الحجارة والطلل، لذكرى لا تُريح، لا تُعيد ولا تصل.

قصر شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر

يُحيل القصر المُكتَشَف على الهندسة المعمارية السائدة في تلك الفترة وهو بذلك شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر الذي شُيِدَ سنة 1136 من طرف يوسف بن تاشفين أول خليفة لدولة المرابطين؛ وشبيه أيضًا بإحدى الرموز المعمارية الأندلسية الباقية في إسبانيا، ألا وهي قصر الجعفرية الذي بُنِيَ في النصف الثاني من القرن الحادي عشر للميلاد في عهد المقتدر بن هود أمير حاكم طائفة سرقسطة في زمن ملوك الطوائف.


بالإضافة إلى الغرف، كشفت الحفريات عن فناء واسع بالقصر، مقسم إلى أربعة أجزاء: منصة عبور، ونافورة مركزية. بُنِيَ القصر من الحجارة والطوب والجص. تلوح الزخارف المعمارية على الأسقف والحيطان كبقايا الحناء في ظاهرة اليد، لتُعَرِّي نقوشًا لم تُرجَم تحت الحجارة لألف عامٍ إلا لقيمةٍ تزداد.

قصر مهجور مع بداية الحكم المرابطي للأندلس

أمر الخليفة عبد الرحمن الثالث، ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس، بتشييد دار الإمارة في القرن العاشر. كانت الدار عبارة عن بناية رباعية الزوايا شبيهة بقصبة ماردة الأثرية، وعلى أنقاضها، وفي عصر ملوك الطوائف (القرن الحادي عشر)، تم تشييد القصر المُكتشَف، قصر بني عباد المسمى «المبارك» أو «المورق».

تعرضت بنايات القصر للنهب والسرقة والتخريب مع حلول المرابطين بمملكة إشبيلية والقضاء على حكم المعتمد بن عباد. ويقدم هذه الفرضية عدة مؤرخين لتفسير عدم وجود أي إصلاحات أو عمليات توسيع للقصر وإن قام الموحدون في القرن الثاني عشر بإنشاء فناء إيل ييسو بجوار المنطقة التي اكتشفت فيها بقايا القصر المطمور.

كما تم اكتشاف بقايا تاريخية قديمة من بيوت حي الفخارين، وهي بيوتات كانت متواجدة بعين المكان في القرن الحادي عشر، تم هدمها في تلك الفترة الزمنية لتشكل جزءًا من قصر المعتمد بن عباد. هذا بالإضافة إلى أسوار عتيقة متلاشية غابرة لأكثر من ألف عام تحت غطاء نباتي كثيف. تنم هذه الأخيرة عن حالة معمارية متضررة، مقارنة ببقية البناية، كما أنها أقدَم زمنيًا، وإن كانت تعود هي الأخرى لنفس القرن وشيدت على الأرجح من طرف المعتمد أو والده المعتضد.



السياق التاريخي

يعود القصر للمعتمد ابن عباد (أبو القاسم المعتمد على الله بن عبَّاد 1040 – 1095م)  الذي كان ملكًا على إشبيلية في عصر ملوك الطوائف. ووسَّع ملكه فاستولى على بلنسية ومرسية وقرطبة قبل أن يقضي على إمارته المرابطون. استولى يوسف بن تاشفين على إشبيلية وأسر المعتمد، ونفاه إلى أغمات في المغرب، وأثارت قسوة يوسف بن تاشفين بتضييقه على المعتمد في أسره وإنهائه لحكم المعتمد حفيظة عدة نقاد: باحثين، ومؤرخين، ما بين مؤيد ومعارض.

ارتبط اسم المعتمد باسم زوجته اعتماد الرميكية. كانت جارية للتاجر رميك ابن الحجاج. كانت على قدر كبير من الجمال، وعلى دراية بالشعر والأدب. أعجب بها المعتمد فلم يتخدها له كجارية، بل تزوجها ورفع من شأنها ليمنحها الجميع لقب السيدة الكبرى بعد ذلك. وفيها يقول:

أَغائِبَةَ الشَخصِ عَن ناظِري… وَحاضِرَةً في صَميمِ الفُؤادِ

عَلَيكِ السَلامُ بِقَدرِ الشُجون… وَدَمع الشُؤونِ وَقَدرِ السُهادِ

وهي القصيدة التي ألف فيها المعتمد بن عباد أبياتا يبدأ كل منها بحرف من حروف اسم زوجته (اعتماد).

شكل القصر المكتشف مبعث أحزان المعتمد بن عباد في منفاه بأغمات. سافرت أشعاره إلى قصر المبارك من المنفى وأخذت في زواياه تجوبُ وعلى جناح الذكريات تذوب. ما بين جسم في طوق أغمات يتفتَّق وخيال ماضٍ اشبيلي مُعتَّق. يشكو حجارة قصر عن الأنظار رحلت وحجارة بالضلوع حلّت:

غَريبٌ بِأَرضِ المغربينِ أَسيرُ… سَيَبكي عَلَيهِ مِنبَرٌ وَسَريرٌ

وَتَندُبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا… وَينهلُّ دَمعٌ بينَهُنَّ غَزيرُ

يعتبر الاكتشاف مفتاحًا جديدًا لتاريخ إشبيلية. ولا زالت هناك سلسلة من عمليات التنقيب التي يعمل الباحثون وعلماء الآثار على مواصلتها. وقد اقترح أنطونيو مونيوث، المندوب الثقافي لمجلس المدينة، خططًا مستقبلية للاستفادة من الفضاء المُكتَشَف، إذ يدعو إلى تحويله إلى مركز توثيقي تأريخي لمجموع بنايات قصر إشبيلية.

الفكرة التي رحبت بها مديرة القصر إيزابيل رودريغيز؛ إذ ترى أن المشروع سيوفر رحلة تاريخية للزائر، وسفرًا في حقبه الزمنية المختلفة من زمن المعتمد، وهو أقدم مرحلة زمنية للبناية، مرورًا بالزمن المرابطي، ثم الموحدي، ثم القشتالي. خاصة أن قصر المعتمد المكتشف، حسب إيزابيل رودريغيز، كبير بما فيه الكفاية لإدراجه بباقي أروقة قصر إشبيلية، كما أن حالته الحافظة ممتازة ومثيرة للدهشة ما بين هيكل معماري متين، ونقوش وزينة وزخرفات في غاية الجمال والدقة.

كل شيء جاهز لإنجاز هذا المشروع التأريخي المعماري الهادف إلى دمج القصر الأصلي المكتشف ببقية أرجاء قصر إشبيلية الملكي. وبهذا الدمج ستتمكن إشبيلية من إكمال الحلقة الأندلسية المفقودة ونزع الغطاء عن التاريخ الإسلامي للمدينة بشكل كامل.


سميرة فخرالدين


المصادر