‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأندلس اليوم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأندلس اليوم. إظهار كافة الرسائل

حوار مع شاعِرَة الضفتين، الإسبانية يولندا ألدون

 

حوار مع شاعِرَة الضفتين، الإسبانية يولندا ألدون

Yolanda+Aldón

أنا وبكل بساطة امرأة مناضلة، امرأة تناضل عبر إبداعها الأدبي، وعملها في الصحافة والتحرير لتعزيز العلاقات الإسبانية المغربية الجيدة.


 

– ما هي الاستنتاجات التي خرجتِ بها من المؤتمر الدولي المغربي الإسباني “صورة المغرب في الصحافة الإسبانية” ؟

كانت كلها إيجابية. استحقَّت كل هذا العناء الذي بُذِلَ في التحضير لأشهر قبل انطلاق المؤتمر، حيث أن الصور النمطية التي حُملت من إسبانيا إلى المغرب والتي تعكس فكرة مسبقة شائعة في عدة وسائل إعلامية،تلاشت عند حضور هذا المؤتمر الدولي.

بالنسبة لنا كأعضاء اللجنة العلمية والتنظيمية، كان من دواعي سرورنا رؤية الإسبان يعودون إلى وجهتهم مع واقع مغرب اليوم، حيث المجتمع المضياف، وحيث تلعب المرأة دورًا مركزيًا ككيان و تساهم إلى جانب الرجل في تحسين وضع المجتمع المغربي. عادوا وهم مقتنعون بأننا متشابهين جدًا، على الرغم من إدراك الاختلافات القائمة بيننا. ولقد أكدت الإستطلاعات أن 98 بالمائة يعتزمون العودة لقضاء وقت أطول في المغرب.
وبالتالي، ارتأينا خلال هذا المؤتمر محاولة تحديد واكتشاف الصورة التي تطغى على وسائل الإعلام أولاً، ثم العمل على تخفيف المواقف لإحداث تقارب إعلامي إسباني مغربي في الحاضر والمستقبل.

من وجهة نظر إعلامية، نوجه أطيب تهنئة وأحر شكر لجميع وسائل الإعلام في كل من إسبانيا والمغرب وأمريكا اللاتينية للمتابعة تطورات هذا المؤتمر عن كثب ولنشر حقيقية ما حدث بمصداقية.
تُركِّز إسبانيا باستمرار على الصور العدائية والمُخيِّبٍة عن المغرب وذلك بالتلميح المستمر إلى الصراعات حول الصحراء المغربية، أو مشكلة سبتة ومليلية الإقليمي. ولكن لا تُبرز ما هو إيجابي كالثقافة وبعض العلاقات الطيبة التي تجمع هذين البلدين المجاورين. لذلك فالمغرب، الذي يجد نفسه في موقف المُعتدى عليه، يرد صحفيًا بنفس الأسلوب الحربي.

 

– بعد زيارة عدة مدن مغربية، ما الصورة التي تكونت لديكِ عن المغرب؟

عندما وطأت قدماي للمرة الأولى المملكة العلَوية أحسست بخوف بسبب الصورة المسبقة التي وصلتُ بها. أما الآن فيمكنني أن أقول بكل فخر أن المغرب هو بلدي الثاني.

 

– كيف تُقيِّمين الأدب المغربي الناطق باللغة الإسبانية ؟

لقد أخذ يكتسب مكانة عالمية، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى الدراسات والبحوث التي تُجرى بمختلف الجامعات في إسبانيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية. نذكر على سبيل المثال، “الأستاذ كريستيان الريشي” من جامعة “لامرسيد” بكاليفورنيا من خلال نشره لكُتاب مغاربة ناطقين باللغة الإسبانية. بدون شك، يساهم ذلك بشكل كبير في تطوير وابتكار الأدب المغربي الإسباني. هناك شيء آخر سبق أن أشرت به للدكتور “الريشي” هو أنه لا وجود لبيانات تعمل على جمع فئة من الكُتاب، كحالتي، كاتبة ناطقة باللغة الإسبانية والتي تستعمل في إنتاجاتها الأدبية ألفاظًا وحتى جمُلًا بالدارجة. لأتساءل على أي ضفة أرسي؟

 

– تم منحكم مؤخرًا لقب ‘المواطن الفخري” لمدينة شفشاون. ماذا يشكل هذا اللقب بالنسبة لكِ؟

هو بمثابة رسالة امتنان واعتراف بكفاحي الهادف إلى إحداث تقارب بين ثقافتين، وتجنيس العلاقات الرابطة بين بلدين متجاورين، من أجل تفادي كل الشوائب التي قد تُغطِّي على مشاريع مستقبلية. نحن في حاجة إلى بعضنا البعض وتصرُّف الرئيس “محمد السفياني” كان نموذجيًا، لم يكن فقط اعترافًا بحبي وارتباطي بمدينة شفشاون وإنما كان أيضا بمثابة يد مُدَّت لإسبانيا.

إنه لمن دواعي الفخر والسرور أن أحضى بلقب “شفشاونية فخرية” وأتمنى تمثيل هذا اللقب كما يستحق المجتمع الشفشاوني.

 

– ما الذي يمكن للشعر أن يقدمه للإنسانية؟

يتم نظم الشعر عن طريق الكلمة ليصبح أداة، أداة رقيقة، واعتمادًا على طريقة عزفها، يمكنها بفعالية مفاجئة تأدية دور قد يضاهي بكثير الدور الذي تلعبه السلطة السياسية نفسها. وبالتالي، يستطيع الشِّعر أن يجلب السلام وكما يُقال نريد سلام يتوق الكل لزرعه بين الشعوب، سلام وإن كان يبدو خيالًا يمكن أن يصبح حقيقة وإن لم يكن. يأتي هذا في إطار السؤال الذي تفضلتم بطرحه مسبقًا.

 

– في عملك الأخير “كلمات هشّة” نلاحظ أن هناك مزج بين الشعر و الرسم. ما السر وراء هذه المبادرة الرائدة من نوعه؟

الكتاب فنٌ ناتج عن طريق الكتابة، ولكن يمكن بث نفس الإحساس الذي تبثه القصيدة عن طريق نسق فني آخر كالرسم و الموسيقى والتصوير. غايتي كانت ولاتزال وستضل هي: دمج الفنون والثقافة الإسبانية المغربية كوسيلة للتعبير الفني. “كلمات هشّة” هو ديوان شعري يكسر القواعد المعتادة. حيث يعمل على سرد قصة في قالب شعري، بينما وكما نعلم جميعًا، لا تُروى القصص في الشعر. أدرجتُ صورا لتبيان ما تعبر عنه أبياتي، إنها صور متماثلة تُحيّرالقارئ، فلا نعرف هل نحن أمام صور من إسبانيا أم من المغرب، تمامًا كالذي قمت به من خلال لعبة غموض”الأنا الشعري”. أحيانا لا نعرف إذا ما كان الأنا الشعري مغربيًا أو إسبانيًا.

 

– يحمل عملك “كلمات هشّة” مناظر طبيعية لتطوان، شفشاون، الدار البيضاء والرباط. هل أنتِ عاشقة للمغرب؟

بالتأكيد حبي للمغرب لا يُترجم فقط في حب أماكنه وإنما أيضًا في حب ناسه. ككل البلدان التي قمتُ بزيارتها، هناك أناس طيبون وآخرون أقل طيبة، ولكن يجب أن أقول أن “مغربي” يشكّل بالنسبة لي الأندلس الحلم، بلد يتطور وينمو باستمرار.

يتناول ديوان “كلمات هشة” عاطفة حب عاجزة عن الإستمرار في الزمن، لتعكس ثنائية الحب والموت. إنه القدر الذي يقف أمام عاطفة حب جيّاشة تربط بين اثنين من الفنانين. إنه صراع بين حضارتين تعانقان بعضهما البعض ثم تتشاجران في الوقت ذاته.

إنه الصراع الهائل بين داوود وجالوت، بين كلمة إسبانية لاتينية وأخرى بالعامية، بين إشارة صليب ونداء مؤذن للصلاة، ذلك النداء الذي يهز أنَاك الشعري وإن كنتَ في الضفة الأخرى من المسجد. إنه الإحساس بالسعادة وفي الوقت ذاته بالإحتضار عندما تسمع على الساعة الرابعة فجرًا عبارة: “أصبحنا ولله الحمد”.

وأن تحاول أن تحس بفحوى هذه الجملة التي أعتبِرُها بمثابة شعر حقيقي، ودون أن أعي معنى بعض السلوكيات البشرية غير المقبولة، يمكنني الإقرار بأنها سلوكيات تتناقض مع المعنى الكامل للصلاة، لا أقصد فقط المنظور الديني وإنما أيضًا الدلالي.

 

– بلغَنَا أنكِ ستقدِّمين خلال الأيام المقبلة ورشة ابتكار في جامعة “قادش”من 13 إلى 16 من ماي، وستسافرين إلى عدة جامعات بإسبانيا للحديث عن التعددية الثقافية وعن التخصصات المختلفة، كما ستكونين إلى جانب خوان مانويل سيراط.
هل يمكن اعتباركِ سفيرة للثقافة الإسبانية المغربية ؟

لا أعتبر نفسي أي شيء، لا يمكنني احتضان ألقاب في حق نفسي. أنا وبكل بساطة امرأة مناضلة، امرأة تناضل عبر إبداعها الأدبي، وعملها في الصحافة والتحرير لتعزيز العلاقات الإسبانية المغربية الجيدة.

– شاعرة الضفتين، رائدة شعر الهواجس”هكذا يُلقبك خوان خوسي تيييث “.


إلى أي حد يمكن اعتبارك شاعرة الضفتين؟

أنا شاعرة ما بين البحرين والضفتين، شاعرة تحب وتبتكر أبياتها الشعرية بلغتين، شاعرة ترعرعت مابين أشعار لوركا وخوان رامون خيمينيس وألبرتي، وأشعار عبد الكريم طبال والفتحي وشكري وكتابات التركي أورهام باموق (في النثر) و أشعار أهل مصر ذات النكهة الأندلسية، أي تلك الإبداعات الأدبية المصرية التي تحمل في طياتها ذكريات الأندلس. كلها عوامل تُشعرني بصحة الصيغة التي يعرفني بها الكاتب الكبير “تيييث”.


ترجمة سميرة فخرالدين

 

 

حوار مع المستعرب بيدرو مارتينيث مونتابيث.




حوار مع المستعرب بيدرو مارتينيث مونتابيث


 


المستعرب / بيدرو مارتينيث مونتابيث

Pedro Martínez Montávez

____________________________

“شكلت الأندلس محاولة لما نسميه اليوم التعددية الثقافية”

_________________________________

luque_cab


أجرى الحوار الكاتب و الصحفي أليخاندرو لوكي (إشبيلية ، 2011)

 

_____________________________________

ترجمة: سميرة فخرالدين.

_______________________________

جمع المستعرب الجياني المرموق أبحاثه حول العالم الأندلسي في كتابه الأخير “معنى ورمز الأندلس “.


في سن 78 ، لا زال بيدرو مارتينيث مونتابيث يحافظ على نفاذ بصيرة وحيوية يحسد عليهما. عند الإصغاء لحديثه، لن يصعب على المرء فهم لماذا لقيت محاضراته، التي تَخَرَّجَ منها فئة من أهم المستعربين المعاصرين ،كل ذلك النجاح . بالإضافة لكونه أستاذا جامعيا بجامعة اشبيلية و أيضا بجامعة مدريد المستقلة، قام هذا الجَيَّاني من بلدية خودار بتأليف عمل واسع يعتبر اليوم مرجعا لكل تَوَّاق لمعرفة العالم العربي المعاصر والعلاقات الإسبانية العربية.

يضم آخر كتبه (آخرها لغاية هذا التاريخ ) “معنى و رمز الأندلس” الذي نشرته كانتأرابيا ، مؤسسة ابن طفيل وكاخاغرناطة مجموع أبحاثه حول العالم الأندلسي ، الذي يعتبره : “حدثا توقف زمنيا ولكنه لازال محفوظا في المتخيل العام و في الذاكرة الجماعية. (…)يتعلق الأمر أيضا بهدف عام و مشترك بين العرب والإسبان . وطالما لا زلنا لا نشاطر هذا النهج المشترك ، فإن وجهات نظرنا لن تكون فقط مختلفة، وإنما ستكون حتما معادية“.

montavez_pmartinez2

بيدرو مارتينيث مونتابيث

 

هل حان وقت المطالبة بالأندلس كملكية خاصة؟ إذا أخدنا بعين الإعتبار تلك الفكرة الشائعة التي ترى في الأندلس هزيمة لإسبانيا؟

– شخصيا أهربُ من هذا الطرح الذي يبدو لي جِد مانوي ، ويفتقر لكل ما هو علمي، بمعنى أن إدراج ما هو عربي إسلامي ضِمن ماهو هسباني شَكَّلَ مجدًا بالنسبة للبعض و شقاءا بالنسبة للبعض الآخر .هل تشكل الأندلس جزءا مما يمكن تسميته احتمالا الهوية الهسبانية لا الإسبانية ؟ نعم أم لا ؟أين يمكننا وضعها؟ بالنسبة لي ودون أدنى شك: نعم الأندلس تشكل جزءا من الهوية الهسبانية. وهي هوية شاملة، متباينة ، ديناميكية و ذات عمق تاريخي. تشتمل على بُعد في الماضي، الحاضر والمستقبل ، وهي ليست هوية أحادية البنية ولا أحادية الأبعاد. ويشكل ماهو أندلسي أحد مقوماتها التي تُضيف لهذا الإختلاف عناصر يجب أخدها بعين الإعتبار.

 

مانِسبَةُ حضور الثقافة العربية في الأندلس وما نِسْبَة حُضور الثقافة الأندلسية في العالم العربي بشكل عام؟

انظر، لقد اقتنعتُ تدريجيا بأن الأندلس شكَّلَت محاولة لما نسميه اليوم ب”التعددية الثقافية” . كانت تعددية ثقافية غير ناضجة ، لم تحظى بوقتٍ كافٍ لتتخَثَّر. إن العناصر المتواجدة ، في هذا السياق، متعددة ومتنوعة . إن أي شخص يتمتع بمعرفة نوعا ما عمَلِية بالعالم العربي ، فإن أول الإكتشافات التي يتوصل إليها هي نعيم التنوع. هناك تتجلى على وجه التحديد جاذبيته الكبرى و خطره الجَمّ. يسحرك في نفس الوقت الذي تدرك فيه أنه عسير على الفهم والشرح. انطلاقا من هذه المسلَّمَات ، يستحيل تحديد نسب مائوية . سبق أن كتب المستعرب المتألق و القدير خوليان ريبيرا شيئا بهذا الخصوص ، ولكنني لستُ دقيقا ، ولا رغبة لي بالقيام بتصنيف علمي لكل ذلك. في اسبانيا نفسها، تختلف الآثار ، الأمَارَات والبقايا وتختلف نسبة استمراريتها حسب الأزمنة و الأمكنة. وحسب الأشياء والمنتجات ، من فعاليات أدبية إلى العمارة ، و من صناعة الحلويات إلى عالم العلاقات الإنسانية.

Riberapeque

خوليان ريبيرا

– دَرَسَ الجيل الذي أنتمي إليه الأندلس تحت مُسمَّى “الغزو العربي” ولكن هناك خبراء مثل أولاغوي يتحدَّثون عن حدوث أسلمة تدريجية وينفون صعود جيوش عبر المضيق . ما هو موقفكم؟

طيب، إن صعود الجيوش قد حدث دون أدنى شك. لقد حل ما هو عربي و إسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية. ليس فقط في جانبه الحربي ، وإنما أيضا في جانبه الثقافي والحضاري. إن أي شخص له دراية بتوسع الإسلام كحدث سياسي وإداري، يُدركُ جيدا أنه غطى مساحة شاسعة من العالم. يجب تذكير الإسبان أنه موازاة لسنة 711 التي حل فيها الإسلام العربي الأمازيغي بشبه الجزيرة الإيبيرية ، حل هذا الإسلام ، في نفس التاريخ ، أيضا بوادي السند شرقا و القوقاز شمالا . لم تكن الأندلس حدثا منعزلا. نعم لقد شكلت حدثا خاصا ومميزا ، و لكنه قابل للمقارنة ،مثلا من حيث الطريقة التي انتشر بها، بفارس القديمة ، بشمال افريقيا أو بافريقيا السوداء.

casa_0076-230X_1974_num_10_1_T1_0559_0000_2

أولاغوي

الصبغة هي ، إذا ما تحدثنا عن انتشار ثقافة ، أو عن ” احتلال ” أرض من طرف أشخاص ببشرة سمراء ، مسلحين بخناجر و يتحدثون لغة أجنبية …

 

اتسم هذا التوسع بحدوث ظاهرتين : الأسلمة و التعريب. الأمر الذي لا يصح قوله هو حدوثهما في كل الأماكن ، في نفس الوقت ، بنفس الوثيرة و بنفس القابلية. في شبه الجزيرة الإيبيرية – أُفَضِّلُ الحديث عن شبه الجزيرة الإيبيرية لا عن اسبانيا – تُناقَشُ حاليا مسألة إذا ماكانت الأسلمة أسرع وثيرة من التعريب أم لا. إنه لجدل عميق ، و في نهاية المطاف ليس لدينا وسيلة تسمح لنا بإدراك حقيقة الأمر . ولكن الظاهرتين متلازمتين جدا . حدث الأمر في الأندلس ، كما حدث في مصر و المغرب و لا زال يحدث إلى يومنا هذا. إن جزءا كبيرا من إشكالية العالم العربي تنشأ بالأساس في نظام العلاقة العقائدية الصارمة التي تجمعه بما هو عربي .

 

(…)

ماهو البلد أو ماهي المنطقة التي تجسد اليوم بشكل أفضل روح الأندلس؟

يصعب الرد على هذا السؤال. إن الإجابة ب “أندلوسيا” بشكل آلي لأمر جاهز . إنه بمثابة تقبل لما هو عُرفي . من اللافت أن المواقف ، سواءا المُرَحِبة أو الرافضة للأندلس ولما هو عربي ، تتجلى ربما بشكل أعمق في أندلوسيا مقارنة بباقي جهات اسبانيا . من المثير للدهشة أنه في نطاق ماهو إسباني ، تجد أن العنصر الأندلسي (من أندلوسيا) قد يُشَكِّلُ نموذجا ممتازا للإسلاموفيليا أو الموروفيليا و قد يُشَكِّلُ أيضا نموذجا ممتازا للإسلاموفوبيا أو الموروفوبيا. بخصوص السؤال، أظن أن الحيز الإيبيري حيث ترسخ العنصر الأندلسي والعربي الإسلامي و اندمج بطبيعية أكثر قد يكون على الأرجح المنطقة الشرقية ، منطقة حوض المتوسط، وعلى وجه الخصوص الجنوب الشرقي أو ما يسميه العرب جناح الأندلس المكسور .

 

و من داخل أندلوسيا ، ليس رؤية ماهو أندلسي بإشبيلية ،التي لديها ميل طبيعي للإنفتاح على الأطلسي، كرؤية ما هو أندلسي من غرناطة أو من قرطبة.

أو من قادس.. أرضي..

لطالما كانت قادس مختلفة حتى عما هو إسباني. هناك تتلاقى عدة أشياء … إنها بمثابة وعاء لكل ماهو ايبيري . كانت هكذا دائما.

 

حب الأندلس لا يمنعك من حب إسبانيا!

blogs - andalus

لا زال بعض المفكرين العرب يرون في إسبانيا عدوا للعالم العربي باعتبارها ناهبة لحقهم في أرض إسلامية سليبة. يصل الأمر أحيانا إلى توجيه تهديدات للحكومة الإسبانية لاسترداد الأندلس. نذكر من بينها خطابات تنظيم الدولة الإسلامية داعش إثر شن هجومين في برشلونة، مما أسفر عن ما لا يقل عن 13 قتيلا وأكثر من 80 مصابا. غرد أحدهم واسمه أبو ردينة العصامى على موقع تويتر: يوما ما سيرجع الابن الضال إلى حضن أبيه، كما علق آخر باقية وتتمدد، فاتحة الأندلس السليبة قريبا. 

إن تقليص الأندلس في غزو وفتح يضر الثقافة الأندلسية ويناقشها بصورة تكاد أن تكون أحادية سواء سمينا ذلك غزوا للصالح الإسباني أو فتحا للصالح الإسلامي والحقيقة أن أنسب رؤية هي اعتبار الأندلس إرث حضاري وثقافي عام ومشترك بين العرب والإسبان. وطالما لا نشاطر هذا النهج المشترك، فإن وجهات نظرنا لن تكون فقط مختلفة وإنما حتما معادية. لا يمكن المطالبة بالأندلس باعتبارها إرثا، فتحا أو فردوس مفقود إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الفكرة الشائعة التي ترى في الأندلس هزيمة لإسبانيا، الخطاب سيصبح عاطفيا وسيفتقر لكل ما هو علمي. إدراج ما هو عربي إسلامي ضمن ما هو إسباني لا يجب أن يشكل فخرا بالنسبة للبعض وعارا بالنسبة للبعض الآخر.

في الأزمات، يصعُب استيعاب كيف يُصبح كل تقارب فورا عداء وكيف تُلَطَّخُ العلاقات بالخلافات ولعل خير مثال لذلك العلاقات الإسبانية المغربية. على الرغم من مضي سنوات طويلة على نهاية عهد الحماية الإسبانية إلا أن عدوى النزاع الإقليمي لا زالت تنتقل إلى مجمل العلاقات الثنائية. تتخذ العلاقات الإسبانية المغربية طابعا إيجابيا كلما رُفِعَ عَلم الثقافة بين البلدين.

ولعل ذلك ما عبَّرَت عنه الكاتبة الإسبانية يولندا ألدون في حوار لها بالإسبانية مع الكاتب نجمي عبد الحق إثر زيارتها للمغرب سنة 2013 لحضور المؤتمر الدولي المغربي الإسباني صورة المغرب في الصحافة الإسبانية قائلة: تُركِّز إسبانيا باستمرار على الصور العدائية والمُخيِّبٍة عن المغرب وذلك بالتلميح المستمر إلى الصراعات حول الصحراء المغربية، أو مشكلة سبتة ومليلية الإقليمي. ولكن لا تُبرز ما هو إيجابي كالثقافة وبعض العلاقات الطيبة التي تجمع هذين البلدين المجاورين. لذلك فالمغرب، الذي يجد نفسه في موقف المُعتدى عليه، يرد صحفيًا بنفس الأسلوب الحربي.

تقول الصحافية والكاتبة الإسبانية يولندا ألدون: "عندما وطأت قدماي للمرة الأولى المملكة العلَوية أحسست بخوف بسبب الصورة المسبقة التي وصلتُ بها. أما الآن فيمكنني أن أقول بكل فخر أن المغرب هو بلدي الثاني. يتم نظم الشعر عن طريق الكلمة ليصبح أداة، أداة رقيقة، واعتمادًا على طريقة عزفها، يمكنها بفعالية مفاجئة تأدية دور قد يضاهي بكثير الدور الذي تلعبه السلطة السياسية نفسها. وبالتالي، يستطيع الشِّعر أن يجلب السلام وكما يُقال نريد سلام يتوق الكل لزرعه بين الشعوب، سلام وإن كان يبدو خيالًا يمكن أن يصبح حقيقة وإن لم يكن... إنه الصراع الهائل بين داوود وجالوت، بين كلمة إسبانية لاتينية وأخرى بالعامية، بين إشارة صليب ونداء مؤذن للصلاة، ذلك النداء الذي يهز أنَاك الشعري وإن كنتَ في الضفة الأخرى من المسجد. إنه الإحساس بالسعادة وفي الوقت ذاته بالاحتضار عندما تسمع على الساعة الرابعة فجرًا عبارة أصبحنا ولله الحمد. وأن تحاول أن تحس بفحوى هذه الجملة التي أعتبِرُها بمثابة شعر حقيقي، ودون أن أعي معنى بعض السلوكيات البشرية غير المقبولة، يمكنني الإقرار بأنها سلوكيات تتناقض مع المعنى الكامل للصلاة، لا أقصد فقط المنظور الديني وإنما أيضًا الدلالي".

إن أندلوسيا ليست هي أندلس. قد يبدو الأمر بديهيا ولكنه في حقيقة الأمر ليس كذلك بالنسبة للكثيرين. كثيرة هي الحالات التي يتم فيها خلط الأندلس بأندلوسيا. هذا الخطأ لا يقع فقط في مجال معين، ولا حتى في منطقة جغرافية معينة ولكنه خطأ واسع الانتشار إلى حد ما. كما لا يمكن تسمية مجلس أندلوسيا الذي يعنى بشؤون إقليم أندلوسيا بحكومة الأندلس. 

منذ وصول المسلمين لشبه الجزيرة الايبيرية سنة 711 إلى غاية سقوط مملكة غرناطة سنة 1492 تغيرت مساحة الأندلس الجغرافية على الدوام مع تعاقب الأزمنة وتواتر السلالات الحاكمة. بلغت الأندلس أقصى تَوَسُّع في منتصف القرن الثامن. شملت شبه الجزيرة الايبيرية بما في ذلك البرتغال والتي يتم إهمالها عند تسمية هذه الفترة بإسبانيا الإسلامية كما لو أن البرتغال لم تكن إسلامية. وهي تسمية خاطئة وغير دقيقة. وإلى جانب شبه الجزيرة الايبيرية ضمت الأندلس جزءا من الأراضي الفرنسية. أعقبت هذه الفترة الذهبية مرحلة ملوك الطوائف حيث انقسمت الأراضي الأندلسية إلى ممالك مستقلة. مع وصول المرابطين والموحدين توحدت الأندلس من جديد على المستوى الإداري ولكن تقلص امتدادها مع الزمن وفي المقابل اتسعت الممالك المسيحية شيئا فشيئا. في منتصف القرن الثالث عشر تقلصت الأندلس في مملكة واحدة وحيدة ألا وهي مملكة غرناطة والتي ضمت ما يعرف حاليا بغرناطة، ألمرية، مالقة، وجزء من قادش، قرطبة وجيان. أخذت بالتقلص إلى أن انتهت سنة 1492. فالأندلس اذن كانت أكثر شساعة من إقليم أندلوسيا اليوم. 

لقد كانت الساكنة الأندلسية عبارة عن فسيفساء من الأعراق والأجناس. ترى الباحثة مريم غراسيا مشبال أن الساكنة الأندلسية لم تكن عربية في غالبيتها. ولكن حظي العرب فيها بامتيازات كبيرة. أما معظم الساكنة فكانت أمازيغية من شمال أفريقيا. كما كان هناك عناصر أفريقية من جنوب الصحراء الكبرى وعدد هام من الصقالبة أو الموالي، وهُم عبيد وأرقاء من سلاف، أصبحوا أحد عناصر المجتمع الأندلسي والمغاربي والصقلي خلال العصور الوسطى. انتهج عبد الرحمن الداخل سياسة الاستكثار من الموالي والاعتماد عليهم كخدم وجنود، للتقليل من سطوة زعماء القبائل العربية الذين كانت لديهم دومًا نزعات للثورة على السلطة المركزية للدولة، في سبيل احتفاظهم بسلطانهم المحلي. كما عملت تلك الشريحة أيضًا في الصنائع اليدوية والتجارة. بلغت ذروة مجدها في المجتمع الأندلسي في عهد عبد الرحمن الناصر لدين الله، حيث وصل الصقالبة إلى مناصب الحجابة والوزارة وقيادة الجيش كبني مغيث وبني أبي عبدة وبني جهور وبني بسيل. تعايشت كل هذه العناصر مع أعراق أخرى كالقوط الغربيون والرومان الهسبان الذين بقوا في شبه الجزيرة الايبيرية تحت الحكم الإسلامي. وكان بين الساكنة يهود ومسيحيون، منهم من احتفظ بديانته ومنهم من اتخذ الإسلام دينا. 

الأندلس ليست هوية أحادية البنية ولا أحادية الأبعاد. الأندلس شكَّلَت محاولة لما نسميه اليوم بالتعددية الثقافية. كانت تعددية ثقافية غير ناضجة، لم تحظ بوقتٍ كافٍ لتتخَثَّر. والعناصر المتواجدة، في هذا السياق، متعددة ومتنوعة. جرِّب أن تنظر للأندلس بعيدا عن متلازمة الشقاء للبعض والمجد للبعض الآخر.

أحب الأندلس جمالا… لم تثرني يوما بطولةً ولا حربا. لطالما أحببتها فنا وشعرا وعمارةً ومزيجا ثقافيا. وقبل هذا وذاك، أحببتها لأول مرة موسيقيا حتى أنني كنت أردد موشحات أندلسية في الطفولة دون إدراك معنى أندلس بالأساس. وكنت أعتقد في تلك السن الصغيرة أنها نوع من الموسيقى فقط! الميل للجمال لا يخرب الأمم. ما أجمل أن تعشق ما يدير الكون ناحية القلب، ما أجمل أن تعشق أسباب التهذيب الثقافي والفكري، أن تعشق الموهبة الإبداعية والنتاج الإنساني الحسي، أن تعشق ما يلون الثقافة الإنسانية، أن تعشق نعيم التنوع. ماذا لو كان ذلك الجانب الجمالي غائبا.. هل كنتُ سأعشقها يوما ما لهذه الدرجة؟ لا أعتقد.


سميرة فخرالدين